بعد النجاح اللافت الذي حققه منتدى مياه وادي الرافدين الذي أقيم العام الماضي ٢٠١٩ في مدينة السليمانية، تعتزم حملة انقاذ نهر دجلة والاهوار العراقية تنظيم ملتقى رقمي يجمع بلدان حوض نهري دجلة والفرات، استكمالاً للجهود التي بدأت العام الماضي. وفي إطار التحضير لهذا الحدث، نظمت جمعية حماة دجلة ملتقى رقمي على مستوى العراق، ضم نشطاء البيئة والمهتمين بملف المياه من مختلف المحافظات، في حدث امتد ليومي ١٦ و١٧ من شهر نيسان الماضي.
تبنّى الملتقى في جدول اعماله نقاش الواقع البيئي ومدى تأثر البنى التحتية للمياه في ظل إجراءات الوقاية التي اتخذت في العراق والمنطقة لمواجهة جائحة وباء كورونا المستجد. كما تم مراجعة مخرجات منتدى المياه الأول ٢٠١٩، وتقييم ما تحقق منها. وشهد الملتقى مشاركة ما يزيد عن ١٠٠ ناشط على مدار اليومين، بضمنهم ممثلي شبكة حماة المياه في العراق (حماة دجلة وحماة الفرات)، وأكاديميين ومختصين مع نشطاء مهتمين بالشأن البيئي من أماكن مختلفة وممثلين لعدد من منظمات المجتمع المدني البيئية.
سعى الملتقى الى إيجاد إجابات لجملة من الأسئلة المحورية ذات الصلة بملف البيئة في الفترة الراهنة، منها تأثير الإجراءات الحالية للوقاية من الوباء على امكانية توفير المياه ووضع البنى التحتية المتعلقة بالمياه في العراق، حيث افاد المتحدثون ان إجراءات الوقاية ومع كل ما تحمله من تحديات على كافة الصعد، الا انها تشكل فرصة مثالية لإراحة المنظومة البيئية من أعباء الاستهلاك المسرف ومعدلات التلوث الضخمة التي تنتجها النشاطات الصناعية والزراعية والسكانية، حيث ان توقف العديد من هذه الأنشطة خلال فترة الحجر المنزلي ساهم بالتخفيف من حدة تأثيراتها على البيئة، مما يستعدي اخذ قضية التخفيف من هذه التأثيرات بجدية اكبر في المستقبل مع عودة النشاطات المذكورة بعد انفراج الازمة.
وفيما يتعلق بقدرة البنى التحتية المتعلقة بالمياه على توفير الاحتياجات المائية خلال فترة الحظر، افاد المتحدثون ان إجراءات الوقاية من جائحة كورونا والحجر المنزلي الذي نتج عنها ساهم في تقليل معدلات استهلاك المياه، فبرغم وجود اغلب السكان في منازلهم وزيادة الاستهلاك المنزلي للمياه كنتيجة لهذا الأمر، الا ان نسب الاستهلاك المنزلي من المياه لا توازي نسب الاستهلاك الصناعي والزراعي لها، والتي انخفضت بشكل ملحوظ في هذه الفترة، مما يعني توفير كميات أكبر من المياه كنتيجة لذلك. وعلى صعيد متصل، يرى النشطاء ان الحظر المفروض قد يضاعف الطلب على المنتج الزراعي المحلي، مما يفرض الحاجة لاستهلاك كميات اكبر من المياه في الفترة المقبلة، وهو سبب أدعى لدراسة سبل الاستجابة لهذه الحاجة وتوفير الكميات المطلوبة من المياه بما يتوافق مع الأولويات الزراعية اللازمة لسد الحاجة الوطنية.
وبحسب سلمان خيرالله (المدير التنفيذي لجمعية حماة دجلة)، فإن العراق يتمتع بخزين مائي جيد هذا العام، إلا ان مشاكل الإدارة المائية لا تزال تلقي بظلالها على المشهد، حيث حذر في حديثه من ان سوء إدارة هذا الملف، وزراعة المحاصيل المستهلكة للمياه، واستمرار التجاوز على مجاري الأنهار من قبل أصحاب بعض الأراضي الزراعية ومربي الأسماك، مع تقصير الجهات المعنية في وقف هذه التجاوزات، بالإضافة الى استمرار وجود أنواع الملوثات التي تلقى الى النهار من مصادر مختلفة، كل ذلك من شانه ان يضعف فرص توفير ضمانات مائية مستقبلية، حتى مع الوفرة الحالية. مؤكداً ان الحاجة لمعالجة مياه الصرف الصحي باتت قضية حساسة للدور الذي قد تلعبه هذه المياه في زيادة انتشار الوباء.
من جانب اخر يستمر ملف السدود الخارجية على نهري دجلة والفرات، وخصوصاً في بلدان المنبع، بتعقيد فرص العراق في تحقيق الأمن المائي الى اقصى حد. وبحسب سلمان، فإن تركيا لا تزال ماضية في تنفيذ مراحل مشروع الغاب الكبير وإنجاز ما يتضمنه من سدود، بينما تواصل إيران انشاء مشاريع إروائية وخزانات وسدود بمختلف الاحجام على روافد نهر دجلة دون ان يراعي كلا البلدين حقوق العراق المائية واحتياجات سكانه، مع غياب التحرك الحكومي من الجانب العراقي للتفاوض حول حقوق العراق من المياه. ومن جانب اخر فقد ناقشت جلسة اليوم الأول للملتقى قضية السدود المحلية، حيث أوضح النشطاء ان كردستان تسعى لبناء ثلاث سدود جديدة بالقرب من الحدود العراقية التركية على الزاب الأعلى (أحد روافد نهر دجلة)، وهو ما ندد به ورفضه النشطاء، حيث ان بناء المزيد من السدود يعني حرمان المزيد من الاراض والسكان من حق المياه، مشيرين الى ان الخزانات الطبيعية (البحيرات والمستنقعات والاهوار) المنتشرة على طول مساحة العراق، تمثل بديلاً مستداماً وصديقاً للبيئة في حال تم تبني استثمارها وتنظيم عملية الخزن فيها، عوضاً عن بناء المزيد من السدود. أضف الى ما لكري الانهار من دور في زيادة المساحة الخزنية في عموم مناطق العراق.
من جانبه قدم الناشط صميم سلام منسق حماة الفرات في الرمادي احاطة حول الوقع المائي في محافظة الانبار، مؤكداً ان الوفرة المائية الحالية لا تنفي حقيقة ان التجاوزات على مجاري الأنهار تشكل تحدي مستمر للأمن المائي في المحافظة. في حين أشار الناشط اسعد الكناني منسق حماة دجلة في ميسان ان الوفرة الحالية للمياه لا تلغي المخاوف من تكرار أزمات مستقبلية مع عدم توفر إدارة رشيدة للمياه في المدينة، في حين لا تزال الاهوار الوسطى تعاني من شحة المياه.
وجاء ضمن فعاليات الملتقى في يومه الثاني قراءة لإعلان منتدى المياه الإقليمي الأول ٢٠١٩ (اضغط لقراءة الإعلان)، حيث أكد المتحدثون ان الجهود الإقليمية المشتركة والتواصل البناء بين قوى المجتمع المدني في المنطقة يجب ان تستمر سعياً لتعزيز التضامن وتصعيد ملف المياه كقضية إقليمية تتعلق بأمن المنطقة ومستقبل شعوبها اجمع، بعيداً عن الإرادات السياسية لحكومات الدول. من جانبه أكد الدكتور إسماعيل داود (من حملة انقاذ نهر دجلة الدولية)، أن مساعي قوى المجتمع المدني في المنطقة اثمرت عن ولادة تيار جديد عابر للحدود ومعارض للسياسات الانتهازية في إدارة ملف المياه بين دول حوض نهري دجلة والفرات، مما عزز قدرة هذه القوى على فرض ارادات الشعوب وايصال صوتها كما لم يحدث من قبل، واسهم هذا الحراك في عرقلة العديد من المشاريع العملاقة التي كانت تراعي إرادة الحكومات أكثر من مراعاتها لمستقبل المنطقة وأمنها المائي والغذائي والاستدامة البيئية فيها.
أفاد الدكتور محمد علي (التدريسي في كلية الزراعة / جامعة واسط) ان العراق بحاجة الى اعتماد البصمة المائية لضمان استيعاب الاحتياجات الوطنية وتلافي مظاهر الاستهلاك المسرف للموارد المائية، وتُعرَّف البصمة المائية للفرد أو المجتمع أو الشركات على أنها الحجم الكلي للمياه العذبة المستخدمة لإنتاج السلع والخدمات التي يستهلكها الفرد أو المجتمع أو الشركة.
أما فيما يخص المعالجات القانونية لمشاكل البيئة، فقد بينت المحامية اسراء فلاح (عضو الهيئة الإدارية لجمعية حماة دجلة)، ان القوانين والتشريعات العراقية قدمت بعض الضمانات لحماية البيئة ومقترباتها بما في ذلك مصادر المياه، غير ان هذه التشريعات تتباين بين كونها اما خجولة في التعاطي مع هذا الملف، او ان القصور في تطبيقها يضعها في موضع التعطيل.
الى ذلك قدم النشطاء رأفت الهيتي وليث العبيدي (ممثلي حماة دجلة في الانبار وديوانية) قدما توصية بضرورة الإنفتاح على فئات جديدة ودعوة أكاديميين وفنانين وإعلاميين وطلاب جامعات للمشاركة في منتدى المياه الإقليمي بنسخته الثانية.
يذكر ان النسخة الثانية من منتدى المياه من المقرر عقدها في مدينة ديار بكر التركية العام المقبل. فيما سيمثل الملتقى الرقمي لمياه وادي الرافدين الخطوة التحضيرية المبكرة تمهيداً لذلك الحدث، حيث سيم تنظيمه في ١٦ و١٧ من شهر أيار الجاري، كما تدعو جمعية حماة دجلة الباحثين والمهتمين الى ارسال أوراق وفق تخصصاتهم للمشاركة بها في الحدث الدولي المرتقب، وذلك عبر ارسالها الى البريد الألكتروني الخاص بالجمعية: [email protected]
العراق – بغداد | حماة دجلة
أضف ردا