بقلم عمر الجفال
انتزع الرئيس الإيرانيّ حسين روحاني في زيارته إلى العاصمة العراقيّة بغداد في 11 آذار/مارس، إقراراً بالعمل مجدّداً على اتّفاقيّة الجزائر التي تخصّ شطّ العرب، وهي التي طالما ماطل العراق للإفلات منها، وعدم العودة إليها كونها تعدّ مجحفة للعراق.
ووقّع رئيس مجلس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي مع الرئيس الإيرانيّ روحاني عدداً من الاتّفاقيّات الاقتصاديّة التي تخصّ تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، ورفع قيمة التبادل التجاريّ، والربط السككيّ، وترسيم الحدود المائيّة وفقاً لاتّفاقيّة الجزائر الموقّعة بين طهران وبغداد في عام 1975 من قبل نائب الرئيس العراقيّ آنذاك صدّام حسين وشاه إيران محمّد رضا بهلوي.
وأثارت العودة إلى العمل بهذه الاتّفاقيّة مخاوف مراقبين ومختصّين في الموارد المائيّة وكتل سياسيّة في أن يخسر العراق الاستفادة من شطّ العرب.
وحتّى الربع الأوّل من القرن العشرين، كانت الغلبة واضحة لسيطرة العراق على شطّ العرب، وعلى هذا الأساس شكّلت الحدود المائيّة لشطّ العرب خلافات كبيرة بين العراق وإيران. وقد عقد البلدان أكثر من اتّفاقيّة في هذا الخصوص، إلّا أنّهما سرعان ما يتنصلان منها.
وفي عام 1975، ونتيجة دعم إيران للتمرّد الكرديّ المندلع في شمال العراق، وافقت بغداد على توقيع اتّفاقيّة مع طهران يتقاسم الجانبان بموجبها شطّ العرب، إلّا أنّ العراق، وبعد شنّ حرب على إيران دامت لنحو 8 أعوام، أعلن إيقاف العمل بهذه الاتّفاقيّة من جانب واحد. ومنذ ذلك التاريخ، حاول العراق عدم العودة إلى العمل بهذه الاتّفاقيّة.
وقبيل مجيء الرئيس الإيرانيّ إلى بغداد، جرى التحذير في الإعلام، من القبول بالعمل بهذه الاتّفاقيّة مجدّداً كونها تضرّ بمصالح العراق.
ويتكوّن شطّ العرب من نتاج التقاء نهري دجلة والفرات في مدينة القرنة في محافظة البصرة، ويبلغ طوله نحو 200 كم، ويصبّ في الخليج العربيّ عند مدينة الفاو التي تعدّ أبعد نقطة في جنوب العراق. ويتراوح عرض شطّ العرب بين كيلومتر واحد وكيلومترين، بحسب ممرّ جريانه.
ويعدّ شطّ العرب شرياناً اقتصاديّاً للعراق إذ يعتبر قناة ملاحيّة للسفن المتوجّهة إلى موانئ البصرة عبر الخليج العربيّ. ويمتلك العراق ميناء المعقل، الذي يعتبر أقدم الموانئ العراقيّة على شطّ العرب، فضلاً عن منصّات نفطيّة منها خور العمية.
وإثر اندلاع حرب العراق وإيران في عام 1980، تعمّد طرفا الحرب قصف السفن الراسية في الشطّ، الأمر الذي حوّل شطّ العرب إلى مقبرة للسفن، وهو الآن مليء بالغوارق التي تسبّبت في تلوّث بيئيّ وخلل كبير في التنوّع الإحيائيّ.
بحسب وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبّار، فإنّ العراق خسر نحو كيلومترين من شطّ العرب لصالح إيران نتيجة للتغيّرات الطبيعيّة، والإهمال العراقيّ لكري الشطّ، فضلاً عن التلاعب الإيرانيّ بتغيير مجرى نهر الكارون الذي يصبّ في شطّ العرب، علاوة على رمي نفايات من قبل العراق وإيران في الشطّ.
وقد أجمع النائبان في البرلمان العراقيّ زهرة البجاري وظافر العاني على أنّ العراق ليس في استطاعته اليوم خوض مفاوضات كبيرة تخصّ شؤون معقّدة مع دول الجوار نتيجة عدم إكمال الكابينة الوزاريّة، وعدم وجود استقرار سياسيّ حقيقيّ.
قال النائب عن تحالف القرار العراقيّ ظافر العاني إنّ “إيران تهيمن على القرار السياسيّ في العراق وإنّ أيّ اتّفاقيّة تعقد بين الطرفين ستصبّ في صالح طهران”، لافتاً إلى أنّه “الأجدى بالعراق التمسّك بحدوده التي تعود إلى ما قبل عام 1975”.
كلام العاني يأتي بعد فوات الأوان، إذ يشير البيان المشترك للحكومتين العراقيّة والإيرانيّة والذي وزّع على وسائل الإعلام إلى أنّ “الطرفين (العراق وإيران) قرّرا البدء بعمليّات مشتركة لكري شطّ العرب وتنظيفه بهدف إعادة قناة الملاحة الرئيسيّة (التالوك)، وفق اتّفاقيّة عام 1975 المذكورة والبروتوكول المعنيّ بذلك في أسرع وقت”.
والتالوك (Thalweg) خطّ يمثّل أعمق نقطة في وسط مجرى النهر الرئيسيّ الصالح للملاحة ويقع عند أخفض منسوب وحتّى البحر.
قالت النائب عن محافظة البصرة في البرلمان العراقيّ زهرة الجاري: “لقد تغيّر خطّ التالوك عبر السنوات بسبب الطمي والتجريف من جهة العراق، الأمر الذي أدّى إلى تآكل الأراضي من جهة العراق وازدياد الأراضي والهيمنة المائيّة لصالح إيران”.
على الرغم من ذلك، ترى البجاري في حديث إلى “المونيتور” أنّ “العودة إلى اتّفاقيّة الجزائر قد تعيد إحياء حركة البواخر في شطّ العرب”، لافتة إلى “وجود اتّفاقيّة أفضل من عدم وجودها”، إلّا أنّ البجاري ترى أنّ هناك جوانب في ملحقات الاتّفاقيّة تصبّ لصالح العراق إذا ما نفّذتها إيران، وقالت: “طالب العراق إيران بإعادة الإطلاقات المائيّة من نهر الكارون، الأمر الذي يخفّف من اللسان الملحيّ في البصرة ويجب أن تنفّذ إيران هذه الاتّفاقيّة بكامل بنودها”.
يتّفق الخبير في الموارد المائيّة عون ذياب مع رأي البجاري، ويقول إنّ “الاتّفاقيّات الدوليّة لا يمكن الانسحاب منها من طرف واحد، وليس للعراق مجال كبير للمناورة في هذا الخصوص”.
واطّلع عون على ملاحق الاتّفاقيّة، وأكّد في حديث إلى “المونيتور” أنّ “الاتّفاقيّة ستعيد وضع تقاسم المياه بين العراق وإيران وفق وضع عام 1975، وهو أمر جيّد إذا ما تحقّق للعراق”.
أكّد البجاري وعون أنّ “العراق لن يخسر أيّاً من أراضيه في هذه الاتّفاقيّة”، إلّا أنّ مخاوف تنصّل إيران من بعض بنود الاتّفاقيّة التي تصبّ في صالح العراق تظلّ مسيطرة على العراقيّين، ولم تخف البجاري خشيتها من هذا الأمر، في المقابل، فإنّ العاني شكّك في تمرير هذه الاتّفاقيّة في الأساس في البرلمان العراقيّ، في ظلّ الرفض الكبير لها.
الحال، المخاوف العراقيّة من الاتّفاقات مع إيران تظلّ واقعيّة، لا سيّما وأنّ إيران تحاول بأقصى طاقتها الاستفادة من العراق اقتصاديّاً، إلّا أنّها، لا سيّما في ظلّ الحصار الاقتصاديّ الأميركيّ المفروض عليها، لا تريد أن تقدّم شيئاً يذكر إلى العراق الذي تهيمن على مفاصله السياسيّة في شكل كبير.
أضف ردا