تعد ظاهرة التصحر إحدى أهم المشاكل البيئية التي تعاني منها محافظة ذي قار والعراق عمومًا، نظرًا لما ينجم عنها من تدني في إنتاجية الأرض وتحويلها إلى مناطق شبيهة بالمناطق الصحراوية، لذا استكمالاً لسلسلة الجلسات الإلكترونية التي تنظمها حماة دجلة بهدف رفع الوعي البيئي وحث السلطات المعنية للتوجه إلى حل المشاكل البيئية، في مساء يوم الأربعاء، 29 كانون الأول 2021، نظمت الجمعية جلستها الرقمية الثالثة بعنوان “التصحر وآثاره البيئية في ذي قار”، بهدف تسليط الضوء على مسببات هذه الظاهرة ومناقشة امكانية التصدي لها، استضافت خبير النباتات ومدير شعبة نظم البيئة الطبيعية د. أحمد رزاق التميمي، والجيولوجي والناشط المدني، أحمد الخطيب، إذ حضر وشارك في الجلسة عدد من نشطاء البيئة ومسؤولين حكوميين ومهتمين بملف البيئة من مختلف المحافظات على المنصة Zoom الرقمية.
ابتدأت الجلسة حديثها بالتعريف عن ظاهرة التصحر وأهم العوامل التي تؤدي إلى تكوينها، إذ بين د. التميمي، إن الاحتباس الحراري والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية تعد من أكبر وأخطر العوامل الطبيعية المسببة لهذه الظاهرة، كارتفاع درجات الحرارة التي تزيد من عملية تبخر المياه الجوفية وتؤدي إلى جفاف الأراضي وتصحرها، إضافة إلى زحف الكثبان الرملية بفعل الرياح، موضحا أن للعوامل البشرية دورا أيضا في تكوين هذه الظاهرة، إذ تتمثل هذه العوامل بسوء استخدام الموارد الارضية واجهاد التربة والزراعة غير العلمية والقطع الجائر للأشجار وزيادة التوسع السكاني على حساب الأراضي الزراعية، إضافة إلى استنزاف الموارد المائية وسوء استخدامها، حيث أشار التميمي إلى أن كل هذه العوامل تؤدي بدورها إلى تصحر التربة وقلة انتاجيتها. بينما أعزى الخطيب سبب ظاهرة التصحر إلى الموقع الجغرافي لمحافظة ذي قار وجنوب العراق، قائلا “تعد هذه المنطقة من المناطق الهرمة باستقبال مياه الأنهار والرياح [من الجانب الجيولوجي] إذ إن الأتربة التي تنقل عن طريق الأنهار والرياح لمسافات طويلة، تصل إلى هذه المنطقة على شكل ذرات رملية أو اتربة حُبيبية مجردة من المعادن والمواد العضوية التي تجعل من التربة منتجة أو قابلة للاستثمار،” وأضاف قائلا “العامل البشري يساهم بتوسيع رقعة الأراضي المتصحرة ولكن العامل الطبيعي هو المسبب بالدرجة الأساس !”
وبالحديث عن أهم الآثار والنتائج التي يسببها التصحر، أوضح التميمي أن آثار التصحر بشكل أساسي تتمثل بالتأثيرات المناخية والبيئية، كزيادة ملوحة التربة، وزيادة رقعة الكثبان الرملية، وقلة التنوع البيولوجي، وزيادة درجات الحرارة والعواصف الغبارية، ويتابع ” تبعاً لاحصائياتنا إن محافظة ذي قار من أكثر المدن التي تعاني من العواصف الترابية والجو المغبر طيلة أشهر الصيف، بتأثير منطقة الكثبان الرملية شمال غرب المحافظة، إذ إن قشرة التربة في تلك المنطقة مفككة و تتطاير بفعل الرياح بسهولة مؤدية إلى هبوب عواصف نحو ذي قار،” وأشار التميمي إلى إن التصحر يمكن أن يؤدي إلى انعدام أو تهديد الأمن الغذائي للبلاد، وبالتالي سيكون له تأثير كبير على النطاق الاقتصادي والاجتماعي.
أما عن الدور الحكومي في مكافحة هذه المشكلة، أوضح التميمي أن عدم الاستقرار السياسي في وضع خطط لاستثمار الموارد الارضية وخطط لإدارة المياه بشكل أفضل، بالاضافة إلى السياسة المائية للدول المجاورة وانخفاض الواردات المائية، أدت إلى تفاقم أزمة المياه في العديد من المناطق بضمنها محافظة ذي قار التي عانت لفترات من العطش والجفاف، وأشاد بضرورة اهتمام الجهات الحكومية بهذا الملف، قائلا ” يجب على وزارة البيئة العمل بالشراكة مع وزارة الموارد المائية ووزارة الزراعة، لغرض وضع ادارة مائية صحيحة للعراق، ايقاف هدر الموارد المائية واستعمال طرق الري الحديثة، والتحسين من شبكات البزل، كما يجب العمل على مشروع الكثبان الرملية، ودعم قطاع الزراعة بالإضافة إلى دعم الاحزمة الخضراء.”
وفي سياق متصل أشار الخطيب إلى أن العجز المائي الذي تعاني منه البلاد يؤدي للجوء إلى الزراعة الآنية التي تعد سبب اخر من اسباب التصحر، موضحًا أن بعض المناطق الصالحة للزراعة يتم استثمارها في موسم الأمطار فقط وتترك لبقية المواسم نظرًا لعدم وصول المياه إليها، وبالتالي تتحول هذه المناطق إلى جرداء، وشدد الخطيب على ضرورة إيجاد حلول لإيصال المياه إلى هذه المناطق من قبل الجهات المختصة، لتكون هذه التربة دائمة الخضرة.
أما بخصوص الأضرار التي تسببها الشركات الاستثمارية للأراضي، بيّن الخطيب أن على الرغم من الدور الرقابي لمديرية بيئة ذي قار و قانون التدهور البيئي الذي يلزم المتجاوزين الذين يساهمون بتصحر الاراضي أو تلوث الهواء بدفع غرامات مالية، إلا أن المستثمرين خارج سور المدينة لا زالوا يشيدون المنشآت النفطية والشركات الاستثمارية بدون موافقة الجهات المختصة وبدون رقابة، موضحا “أن توسع هذه المنشآت وتماديها وماتخلّفه من المخلفات البترولية والمواد المسرطنة والانبعاثات الدخانية السامة المنتشرة، تؤدي إلى هجرة الأهالي و إبادة الأحياء الراجلة أو الموجودة داخل التربة والتي تحييها وتساعد على حرثها وتعمل على ضمان المحتوى العضوي للتربة وزيادة إنتاجيتها، وبالتالي غياب الحياة في هذه الأراضي وتحويلها إلى أراضي جرداء.” ، “إن التوسع البشري يعد أيضا عاملاً مهماً في زيادة التصحر، لذا يجب أن يكون هذا التوسع بشكل يحافظ على الارض ولا يسبب ضررا لها أو يؤدي إلى خرابها وموتها، اذ ان التربة تحتاج العديد من السنوات لاستعادة عافيتها إذا ما تحركنا باتجاه احياءها من جديد !” يضيف الخطيب.
وعلى صعيد أهمية احاطة المدن بالأحزمة الخضراء، بين التميمي أن ذي قار من أكثر المحافظات حاجة إلى مشروع حزام اخضر، “على الرغم من أن الحزام الأخضر ليس كفيلا بمكافحة التصحر إلا أنه بشكل أساسي يحمي المدن من الغبار والعواصف الترابية كون الأشجار تعمل على كسر شدة الرياح الناقلة للأتربة، لذا فإن الحزام الأخضر يساهم في الحماية من تأثيرات التصحر ويوقف استمرار استنزاف الأراضي الناتج من زحف الكثبان الرملية، أما مكافحة التصحر فتحتاج إلى مشاريع أخرى أكبر، كمشروع تثبيت الكثبان الرملية الذي يتم عن طريق حفر الخنادق وطمرها بالرمال ثم تغطيتها بتربة طينية واعادة زراعتها وتحويلها إلى مزارع” قال التميمي، وأضاف “إن هذا المشروع كان قيد التنفيذ و لكن قلة التخصيصات المالية أدت إلى توقفه!” ، وبهذا الصدد أضاف الخطيب “على الرغم من أن الحزام الأخضر لا يغطي مناطق واسعة ولكن وجوده سيساهم في خفض درجات الحرارة وبالتالي يحول دون تبخر المياه الجوفية مرتفعة المنسوب ،اذ ان ارتفاع منسوب المياه الجوفية وقربها من سطح الأرض يؤدي إلى تبخرها بسبب ارتفاع درجات الحرارة وهذا سيترك ترسبات و أملاح المياه الجوفية داخل التربة مما يقلل من كفاءتها الانتاجية وزيادة تصحرها.”
ومن جانب آخر تحدث الخطيب عن دور منظمات المجتمع المدني والناشطين المهتمين بقضايا البيئة، مشيدًا بالجهود المبذولة من قبل المنظمات والفرق التطوعية والناشطين المنفردين الذين سخروا جهودهم من أجل تحريك هذا الملف، حيث قال “إن المجتمع المدني يعد شريك للحكومة المحلية في كل المشاكل والقضايا وتحديدًا القضايا البيئية، إذ نستطيع أن نلتمس جهودهم الجبارة وآثارهم بوضوح من خلال المناشدات وحملات المدافعة والعمل على رفع الوعي البيئي بين أفراد المجتمع، كونهم أكثر قربًا للمجتمع من الجهات الحكومية، لذا فأن عملهم ضروري جدًا ومهم،” وأشاد الخطيب بضرورة زيادة اهتمام الجهات الحكومية بهذه المنظمات والتعاون والانسجام معهم والاستعانة بأفكارهم و حلولهم، كونها حلول سريعة وفعالة نظرًا لخبرة النشطاء و اطلاعهم على الواقع البيئي للمجتمعات الأخرى.
وفي الختام شدد الخطيب على اهمية البحث في كيفية إحياء التربة من جديد والخروج بحل لهذه الكارثة، وضرورة الاستعانة بخبرات وتجارب الدول المتقدمة التي عانت من نفس المشكلة، كما يجب أن تكون هناك حملات توعوية بطابع حكومي توضح للمجتمع أن الحكومة مهتمة بالقضايا البيئية، ويجب أن تعمل الجهات المختصة على النهوض بالواقع البيئي ومعالجة الكوارث البيئية أو على الأقل إيقاف تفاقم أسباب هذه الكوارث. وأضاف التميمي أن على الرغم من كون وزارة البيئة غير مطلقة اليد، إلا أن الاجراءات والخطط المستقبلية التي تضعها تجاه مواجهة خطر التصحر، تعد مبشرة بالخير.
يذكر أن هذه الجلسة تأتي ضمن سلسلة من الجلسات الرقمية التي تنظمها جمعية حماة نهر دجلة لتسليط الضوء على القضايا الخاصة بواقع البيئة والمياه لمدن نهري دجلة والفرات من خلال استخدام المنصات الإلكترونية.
للاستماع الى الندوة كاملة اضغط هنا .
أضف ردا