العربي الجديد
أخذ المجلس الوزاري للطاقة العراقي قرارا بالموافقة على توصية اللجنة العليا للمياه (جلستها في6/10/2019)، بتنفيذ سد مكحول وأوعز الى وزارة المالية والتخطيط بادراجه في الخطة المالية لعام 2020. في شهر آب (اغسطس) من عام 2020، قال مدير ناحية “الزوية” شمالي قضاء “بيجي” في محافظة صلاح الدين محمد زيدان، إن فريقاً مختصاً من الموارد المائية أجرى كشفاً موقعياً لمشروع “سد مكحول السيادي” المقرر إنشاؤه ضمن المناطق الممتدة في أطراف الزوية، قرية “المسحك” وحدود قضاء “الشرقاط” شمال صلاح الدين، ومناطق من قضاء “الحويجة” جنوب غربي كركوك.
ولم تفت سوى أيام حتى انتشر الخوف وبدأت الهواجس تعتري آلاف العوائل التي تقيم في هذه المنطقة، فهم يعلمون جيداً إن السد الذي يهدد أرضهم ومكان عيشهم الطبيعي، كان قد أوقف العمل به منذ سنوات. ونشرت صحيفة “شفق نيوز” الاكترونية تحقيقا بعنوان “سد مكحول.. يمحو 3 وحدات إدارية في محافظتين ويهدد عشرات الآف الأسر”.
وفي أواخر سنة 2020، أفاد وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، بأن “حاجة العراق الحالية من ناحية السدود هي إنشاء سد مكحول في محافظة صلاح الدين”. ولم يفسر الوزير من أين جاء بهذا الاستنتاج، وهو خير من يعلم بان بناء هذا السد، ليس من مُتبنيات الدراسة الاستراتيجية (SWLRI).
وفي مطلع العام 2021، كتب حسن الجنابي، وهو وزير موارد مائية سابق، أنه يعارض عودة العمل على سد مكحول لأنه مشروع لا فائدة منه وأن العراق ليس بحاجة لسدود جديدة.
ونشرت صحيفة “الإندبندنت” بنسختها العربية، نقلاً عن المستشار في وزارة الموارد عون ذياب أن وزارة التخطيط أعطت الضوء الأخضر لاستئناف العمل بسد مكحول، وخصصت مبالغ ضمن موازنة 2021 التي أقرها البرلمان في الأول من نيسان (أبريل) من العام نفسه. واشار ذياب إلى أنه “كان هناك جدل منذ سنوات طويلة يتعلق بسلامة الأسس، إلا أنه ستكون لنا إجراءات لمعالجة التربة الجبسية التي قد تكون تحت الأسس وقبل بناء السد، حتى لا يتكرر ما جرى في سد الموصل”. وبعد أقل من أسبوع أصدر وزير التخطيط العراقي خالد بتال نجم كتاب شكر وتقدير لعدد من أساتذة الجامعة، أعضاء في المكتب الاستشاري الهندسي لجامعة الأنبار، “لجهودهم المميزة في إعداد دراسة الاثر البيئي، وكذلك تحديث الدراستين الهيدرولوجية والجدوى الاقتصادية لمشروع سد مكحول”. وليس من الواضح هنا متى تم إعداد الدراسات هذه وما هي النتائج، كل ما يتم التلميح له بأن انشاء السد سيمضي قدماً.
وفي يوم 14 نيسان (أبريل) من عام 2021 وضع وزير الموارد المائية، حجر الأساس لمشروع السد، وكان معه محافظ صلاح الدين ومحافظ كركوك، وكوادر من الخط المتقدم للوزارة. وعلق الوزير يومها بأنه أكبر مشروع ينفذ بكوادر عراقية 100 في المئة، تصميماً وإشرافاً وتنفيذاً.
وتجادل وزارة الموارد العراقية بأن سد مكحول الذي سيكلف خزينة الدولة ثلاثة مليارات دولار، سيضيف سعةً خزنيةً بحدود 3 مليارات مترٍ مكعبٍ إلى المنظومة الخزنية في العراق، وبأنه من المشاريع الاستثمارية المهمة الذي يضيف توليد طاقة كهربائية للشبكة الوطنية، ويحمي بغداد كذلك سامراء من خطر الفيضان. هذا بالإضافة إلى فوائد اقتصادية وتنموية، وهو ما أكده المتحدث باسم الوزارة علي راضي في اكثر من تصريح.
الآن، دعونا نقارن ما تجادل به الوزارة مع ما ورد من نصوص صريحة في استراتيجية (SWLRI).
تنص وثيقة الاستراتيجية على التالي: “لا حاجة لبناء سدود كبيرة جديدة”. وتضمنت وثيقة “تخطيط الموارد” التي أشرنا إليها في القسم الأول والتي عرضتها الوزارة خلال مؤتمر بغداد الدولي الأول للمياه، ملخص ورد فيه التالي: “إذا تم تنفيذ الاستراتيجية، فلن تكون هناك حاجة لسدود كبيرة جديدة لمساعدة العراق في تحقيق أهداف استراتيجية 2035.
أما حول حجة توليد الطاقة الكهربائية فتنص الوثيقة على التالي: “يجب ألا تلعب الطاقة الكهرومائية دوراً رئيسياً في توليد الطاقة في العراق”. والإشارة هنا إلى استنتاج يتوافق مع مسألتين مهمتين، الأولى تناقص واردات المياه التي تصل الى العراق اليوم وفي المستقبل، والثانية، حقيقة أن مشاريع توليد الطاقة من المياه التي يمتلكها العراق حالياً تواجه صعوبة حقيقية في الوصول إلى الطاقات التصميمية، فكيف يتم بناء محطات جديدة!
وحتى حجة الفيضانات تم تفنيدها بشكل لا يقبل الشك في الوثيقة نفسها، حيث تنص على: “ويمكن تحقيق السيطرة على الفيضانات من خلال إعادة تأهيل سد الموصل وتوسيع قناطر سامراء وقناة الثرثار. لذلك لن يحتاج العراق إلى أي سدود كبيرة جديدة، مثل تلك المقترحة في “بخمة” أو “منداوة” أو الفتحة” وتعود لتؤكد ” في الواقع، ستخسر هذه السدود غير الملائمة في نهاية المطاف المزيد من المياه للعراق أكثر مما تكسبه، من خلال تبخر المياه”.
وتسترسل الوثيقة موضحة: “يجب استخدام المنخفضات الطبيعية فقط للتحكم في الفيضانات. تُستخدم بحيرتا الثرثار الحبانية، تقليدياً كمخازن موقتة لتخزين المياه خارج التيار لإدارة التدفقات على النهرين الكبيرين. في المستقبل، بسبب انخفاض الموارد المائية المتاحة، لن يكون هناك مياه لتخزينها في هذه المنخفضات الطبيعية الكبيرة باستثناء أثناء الفيضانات”.
ولفترة من الزمن تم الربط والإشارة بين سد الموصل وسد مكحول، حيث يبرر سد مكحول على أنه بديل في حال انهار سد الموصل صاحب المشكلة المستدامة في الأسس. وحتى هذه الحجة لم تنفع، وقد تمت الإشارة اليها بوضوح في وثيقة التحليل، تقول الوثيقة المعدة من خبراء دوليين التالي: “إذا لم يكن من الممكن إعادة تأهيل سد الموصل بالكامل ليعمل بالمستوى التصميمي البالغ 330 m a.s.l، فإن الخيار الأفضل التالي هو بناء سد بادوش. مثل هذا الخيار مفضل على الخيارات الأخرى، مثل سدود الفتحة أو المكحول، والتي تقع في مواقع غير مرغوب فيها”. ومع كل ذلك الرفض والممانعة، درج صانع القرار، وبخفة ومهارة، على ربط استراتيجية (SWLRI) وبناء سد مكحول في مقابلة واحدة!
وبينما كان الجهد لدى الوزارة منصباً على الترويج للمشروع، تنامى القلق الدولي والمحلي من إكمال السد. في التاسع من كانون الثاني(يناير) 2021 أطلقت مجموعة من الباحثين الدوليين مبادرة بحثية لتوثيق وحماية “آشور”، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، كونه موقعاً مهدداً بخطر الغرق هو وأكثر من مئة موقع ذات أهمية ثقافية كبيرة، إذا ما أصرت الحكومة العراقية على إكمال سد مكحول . وفي شهر أيار (مايو) من العام نفسه، أصدرت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو قراراً يأسف بشدة لاقتراح العراق بناء سد مكحول مرة أخرى، ويطلب من الدولة نقل أو إلغاء المشروع في ضوء تأثيره المحتمل على القيمة العالمية الاستثنائية لموقع اشور المدرج على لائحة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر. ويقدر رئيس قسم الآثار في جامعة تكريت خليل خلف الجبوري أن أكثر من 200 موقع أثري بالقرب من الشرقاط معرضة لخطر الفيضانات. المواقع الآشورية، التي شيدت بشكل أساسي من الطين، ستضيع إلى الأبد. كما أشار إلى ما سمّاه “كارثة اجتماعية” حيث يواجه عشرات الآلاف من الأشخاص النزوح. ويؤكد الجبوري: “الحكومة لا تسمع للأكاديميين والجيولوجيين… إنه أمر خطير وخطير للغاية”.
وأرسلت حملة إنقاذ نهر دجلة الدولية، رسالة عن هذا السد إلى لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو، تشير فيها إلى قلقها من كون سد مكحول يهدد مواقع تراث عالمي مثل قلعة اشور وأهوار جنوب العراق المهددة بالزوال. ورحب المدير العام لليونسكو مجتيلد روسيلر بهذه الرسالة، وأكد أن اليونسكو متفقة تماماً حول خطر سد مكحول وهي تحاول الحوار مع الحكومة العراقية منذ كانون الثاني (يناير) من عام ٢٠٢١.
ولمن يتصور أن السد تم اختياره بعد التحام نهر الزاب الصغير (ويسمى ايضاً الزاب الأدنى، وهو ثالث روافد نهر دجلة)، وذلك لتتم الاستفادة من مساهمة مياه هذا النهر في دجلة، نقول له إن الأمر ليس بهذا الشكل. وبحسب المختصين، فإن إيران التي يأتي منها الزاب الصغير تشيد عليه السدود والقنوات التي ستجعل واردات المياه شحيحة.
ولدى العراق سد قديم هو سد دوكان هو المخصص للاستفادة من مياه نهر الزاب الصغير ضمن محافظة السليمانية. وبحسب الوزير الحمداني، فإن إيران قللت إيرادات روافد سد دوكان الى سبعين في المئة. وعاد الحمداني للاشارة الى أن إيران تحاول تغيير مجرى الزاب الصغير في مقابلة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2021. وكيف لصانع القرار العراقي أن يعول على نهر يحتضر، اليس الأولى من بناء سد جديد الاعتناء بموارد سد دوكان وحماية نهر الزاب الصغير المتوقع زواله قريباً!
وخير ما نختم به هذا القسم، الإشارة الى حقيقة أن الاستراتيجية (SWLRI)، حددت أهم الأعمال الهندسية العاجلة والتي يحتاج لها العراق، بطبيعة الحال، هذه الأعمال لا تتعلق ببناء سدود كبيرة جديدة ولكن تدخلات مهمة؛ نقتبس منها التالي:
“يجب إعادة تأهيل الهياكل الرئيسية للتحكم في المياه. تأهيل سد الموصل، توسعة قناطر سامراء وقناة التصريف، وتأهيل قناة الارويحة وقناة البدعة (ترعة المياه العذبة)، والحفاظ على تصميم خط نقل نهر دجلة”. وهذه هي أكثر مشاريع الهندسة المدنية أهمية وإلحاحاً.
أضف ردا