حقق مؤتمر دجلة توك 2023 الذي اختتم مؤخراً في بغداد نجاحاً باهراً، حيث لفت الانتباه إلى القضايا الحاسمة المتعلقة بإدارة المياه وتغير المناخ والتحديات التي تواجه العراق. وتحت شعار “شراكة، استدامة وتكيف”، وفر المؤتمر منصة للحوار والتعاون وصياغة حلول قابلة للتنفيذ.
يهدف المؤتمر، الذي نظمته جمعية حماة نهر دجلة، إلى إيصال أصوات الأشخاص الأكثر تضرراً من التحديات المتعلقة بالمياه مع تسليط الضوء على الادارة المشتركة للمياه. وجمع هذا الحدث بين الجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني لمعالجة القضايا الملحة المتمثلة في ندرة المياه والتدهور البيئي وتأثير تغير المناخ على العراق.
اعتماد مخططات الحلقة السببية
اتخذ مؤتمر هذا العام نهجا فريدا من خلال دمج المخططات الحلقية السببية في الجلسات. تمثل الرسوم البيانية بشكل مرئي العلاقات المعقدة وحلقات التغذية الراجعة بين العوامل المختلفة التي تؤثر على إدارة المياه والقدرة على التكيف مع المناخ. وقد عززت هذه الإضافة المبتكرة فهم الطبيعة المترابطة للتحديات التي يواجهها العراق.
وقال أحد منظمي المؤتمر: “من خلال اعتماد المخططات الحلقية السببية، كنا نهدف إلى تقديم رؤية شاملة للديناميكيات المعقدة المحيطة بقضايا المياه وتغير المناخ في العراق”. واضاف “لقد سهّل هذا التمثيل المرئي فهمًا أعمق للتعقيدات التي ينطوي عليها الأمر وسمح بإجراء مناقشات أكثر دقة.”
المناقشات والتصورات
شهد المؤتمر مناقشات ثاقبة قادتها شخصيات بارزة في إدارة المياه والزراعة. اذ شددت الدكتورة وسن صبيح، احدى المتحدثين في دجلة توك ممثلة عن الجانب الاكاديمي، على ضرورة الشراكة مع دول المنبع لفهم كميات المياه الواردة، مشددة على أهمية البيانات الدقيقة لإدارة المياه الداخلية. اما السيد عبد الكريم عبد الله، ممثل عن الجانب الاكاديمي ايضًا، فقد سلط الضوء على إهمال القطاع الزراعي، مشيراً إلى عدم كفاية تخصيصات الموازنة وعدم الاهتمام بكميات المياه الداخلية للعراق.
وكرر رأفت الهيتي، ممثلًا عن منظمات المجتمع المدني، المخاوف من غياب رؤية زراعية واضحة، مؤكدا على الحاجة إلى خطط استراتيجية وأنظمة ري محسنة. وأعرب أسعد الكناني، عضو حماة دجلة، عن مخاوفه من سوء الإدارة ولاحظ وجود انتهاكات في جهود حماية الأهوار.
اقتباسات من الجلسات
حذر الدكتور شكري الحسن من تزايد نسبة التصحر وتحول 70% من الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية.
وناقش ليث العبيدي، اكاديمي وباحث مختص بالتنوع الاحيائي، تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي، مؤكدا على أهمية تثقيف الجمهور وتنفيذ الإدارة الفعالة للمياه.
وسلط الصياد مرتضى الجنوبي، احد صيادي اهوار الحويزة في ميسان، الضوء على الوضع المزري في العمارة، حيث يفتقر أكثر من 120 ألف شخص إلى مياه الشرب بسبب سياسات تصريف الأهوار.
غياب حكومي ودعوة للتحرك
للأسف، تهرب الجانب الحكومي من المشاركة في المؤتمر، مما أثار مخاوف المشاركين. وأدى غياب التمثيل الحكومي إلى إعاقة المناقشة الشاملة للقضايا الحاسمة، مما ترك أسئلة دون إجابة حول الواقع البيئي والمائي في العراق.
أعرب أحد منظمي المؤتمر عن تطلعه إلى الاستماع منهم بالأرقام والحقائق حول الواقع البيئي والمائي في العراق. تظل الدعوة إلى مشاركة الحكومة أمرًا بالغ الأهمية لتنفيذ سياسات فعالة ومعالجة التحديات الملحة التي تواجه الأمة.
التوصيات والتوقعات المستقبلية
شددت المناقشات التي دارت في المؤتمر على الحاجة الملحة إلى بذل جهود تعاونية لمعالجة التحديات المتعلقة بالمياه وتغير المناخ والقضايا الزراعية. وللمضي قدما، اقترح المشاركون التوصيات التالية:
- المشاركة الحكومية: تشجيع الحكومة على المشاركة الفعالة في المؤتمرات المستقبلية وتوفير معلومات شفافة حول المسائل البيئية والمتعلقة بالمياه.
- جمع البيانات وتحليلها: الاستثمار في الدراسات الشاملة وجمع البيانات لفهم كميات المياه واستخدام مياه الأمطار والتأثيرات المرتبطة بالمناخ بشكل أفضل.
- الرؤية الزراعية: وضع رؤية زراعية واضحة بخطط استراتيجية وتخصيصات كافية في الميزانية وأنظمة ري محسنة لدعم المزارعين.
- حماية الأهوار: تعزيز الجهود لحماية الأهوار ومعالجة الانتهاكات وإشراك المجتمعات المحلية في مبادرات الحفاظ عليها.
- التثقيف المناخي: تنفيذ حملات توعية عامة لتثقيف الناس حول تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي وأهمية الإدارة المستدامة للمياه.
وفي الختام، نجح مؤتمر دجلة توك 2023 بموسمه الثالث في لفت الانتباه إلى القضايا الحاسمة، وتعزيز الحوار، وتوليد رؤى قيمة. وقد أدى اعتماد المخططات الحلقية السببية إلى تعزيز فهم التحديات المعقدة التي يواجهها العراق.
للمضي قدمًا، من الضروري أن يشارك جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومة، بنشاط في معالجة هذه التحديات بشكل شامل وضمان مستقبل مستدام ومرن للعراق.
أضف ردا