تمثل اهوار بلاد مابين النهرين السفلى احدى اهم أنظمة الأراضي الرطبة في الشرق الأوسط , وذات أهمية بيئية واجتماعية وثقافية حيث تدعم تنوعًا طبيعي هائلأ , و تمثل المنطقة نظامًا بيئيًا اجتماعيًا امتد لآلاف السنين يقطنه سكان الاهوار, إذ يعتمدون على موارد هذه الأراضي الرطبة المتوفرة عن طريق , صيد الطيور , وصيد الأسماك ,وقطع القصب , وتربية الجاموس.
تعد الاهوار واحدة من أكبر المناطق التي تقضي طيور البط فيها فصل الشتاء خاصة التي تتبع خط الهجرة غرب أوراسيا – قزوين -النيل ، كما أنها منطقة استراحة مهمة للطيور الساحلية التي تتخذ خط الهجرة عبر غرب آسي , وشرق أفريقيا ولذلك فهي تسهم بشكل مهم في خطوط الهجرة ذات الاهمية العالمية بين القارات , كما انها مهمة لتكاثر الطيور المائية المهاجرة على امتداد غرب اسيا , فضلاً عن ذلك , فقد وصفت الأهوار كمناطق تشتية مهمة جداً للعديد من أنواع الطيور الجارحة والجاثمة.
ومع ذلك تسبب النظام الحاكم في فترة التسعينيات في تجفيف هذه الاهوار (ضمنها الاهوار الوسطى) عبر شبكة من القنوات عملت لسحب المياه وتصريفها الى الخليج , مما تسبب في تدمير النظام البيئي وهجرة سكان الاهوار وتدمير حياتهم التقليدية. بعد عام 2003 غمرت الاهوار الوسطى بالمياه جزئيا وعاد النظام البيئي الطبيعي رافقه عودة الكثيرين من سكان الاهوار ليزاولوا حياتهم التقليدية من جديد.
تعد الاهوار الوسطى CMمنطقة استراحة لأعداد كبيرة من الطيور المائية الوافد من المناطق البارد في فصل الشتاء , كما توفر بيئة مناسبة لتكاثر انواع مهمة من الطيور , ووفقا للدراسة المقدمة في كتاب مناطق التنوع البيولوجي الرئيسية في العراق ( (KBAs[13] مثلت الاهوار الوسطى احدى اهم تلك المناطق , واعدت ايضاً على انها من المناطق المهمة للطيور (IBAs) في العراق.
أدى تزايد النمو السكاني وزيادة الطلب على المياه مصحوباُ بالتغيرات المناخية وانخفاض معدلات هطول الامطار على المستوى الإقليمي , كذلك بناء السدود على منابع مياه نهري دجلة والفرات سببت جميعها في إبطاء وديمومة التجديد الطبيعي للأهوار وأصبحت الاهوار مهددة بنقص المياه وربما الجفاف في فترات معينة.
لعبت هذه العوامل دورًا في حالات الجفاف في الأهوار الوسطى في 2008-2009 وفي صيف 2015 و في 2017-2018 ، مما أثر بشكل كبير على الحياة البرية والسكان الذين يعيشون هناك ؛ ولأهمية الموقع وتوفر معايير المحميات الطبيعية اعلنت الاهوار الوسطى كأول متنزه وطني National Park (NP) في العراق في عام 2013 من قبل مجلس الوزراء العراقي , كما انظمت الى معاهدة رامسار للأراضي الرطبة في تشرين الاول 2015 , فضلاً عن ذلك ادرجت الاهوار الوسطى مؤخرا على لائحة التراث العالمي (اليونسكو) ضمن ملف ادراج اهوار جنوب في تموز 2016 والذي عدَ من الانجازات الوطنية الكبيرة التي تبرز اهمية الاهوار عالمياً.
وفي مجال الحماية والمحافظة على التنوع الاحيائي صادق العراق على اتفاقية تنظيم التجارة الدولية الخاصة بالحيوانات والنباتات الفطرية (البرية) المهددة بخطر الانقراض (سايتس) (CITES) في عام 2014 , حيث تربط الاتفاقية بين الحياة الفطرية والتجارة الدولية بأحكام ملزمة , في هدف الحفاظ على الانواع والاستخدام المستدام لها. كما وقع العراق على اتفاقية حفظ أنواع الحيوانات البرية المهاجرة (CMS) وصدر قانون رقم 29 لسنة 2016 في هذا الصدد.
على الرغم من جميع هذه الإجراءات , لاتزال الاهوار الوسطى تعاني من إهمال في ظل غياب الدور الحقيقي للسلطات حيث ان عمليات الافراط في الصيد التي تطال الطيور البرية تعد احدى الاسباب الرئيسية التي تودي الى الضغط على الموارد الطبيعية والاستغلال المفرط لها , وهنالك ادلة مستفيضة حول استمرار ممارسات الصيد المفرطة وتأثيراتها السلبية في اهوار جنوب العراق بشكل عام وفي الأهوار الوسطى بشكل خاص ، حيث تسببت في انخفاض كبير في أعداد الطيور المقيمة والمهاجرة سنويًا وهذا ما وثقته وأشارت اليه العديد من الدراسات والتقارير.
تم تطوير هذه الدراسة من قبل جمعية حماة نهر دجلة (Humat Dijlah) لتقييم حالة صيد الطيور في الأهوار الوسطى وتحديد الممارسات غير القانونية في الصيد والبحث عن أسبابها وتطوير الاقتراحات الممكنة لمعالجة هذه القضايا.
قمنا بتقييم الصيد في المنتزه الوطني للأهوار الوسطى كأنموذج لحالة الصيد في الأهوار العراقية بشكل عام. استخدمنا مسحًا للمقابلات لجمع معلومات حول هذه الممارسات من عدد من صيادين الطيور الذين تم تحديدهم في منطقة الأهوار الوسطى , استعنا أيضًا بالمراجع والمعلومات المتاحة من منظمات المجتمع المدني ، بالإضافة إلى الملاحظات الميدانية.
قدرنا صيد اكثر من 50,000 طائر سنويًا , تستهدف 22 نوعاً من الطيور المائية (المقيمة والمهاجرة) بما فيها انواع مهدد عالمياً بخطر الانقراض , وأكدنا ان الاهوار الوسطى بما فيها المتنزه الوطني NP)) تتعرض الى عمليات صيد غير قانونية وغير مستدامة سنوياً.
يحدث صيد الطيور بسبب عدة عوامل منها اقتصادية وأخرى اجتماعية , كالذي يحدث لغرض كسب المال بعد بيعها او لكونها مصدر رئيسي لأغذية أسر الصيادين كما يحدث كممارسة للرياضة , وثقت درستنا انشطة وأدوات الصيد غير القانونية المستخدمة في الأهوار الوسطى , كما إن إيجاد فرص اقتصادية بديلة للصيادين سيخفف ويحد من أنشطة الصيد غير المستدامة.
يمكن أن تساهم المعلومات الواردة في هذه الدراسة في تحديد المناطق التي يجب حمايتها من صيد الطيور والممارسات غير المستدامة الأخرى بهدف حماية الطيور وحماية الحياة البرية. سيكون هذا مفيدًا لنجاح خطة إدارة الحديقة الوطنية ، وهو ما يلزم للحفاظ على سلامة النظام البيئي في الأهوار وقيم التنوع البيولوجي اللازمة للحفاظ على وضعها كموقع للتراث العالمي.
أضف ردا