أنوار أحمد، 7 – أيلول – 2022
شهد العراق في السنوات الثلاث الماضية أزمة جفاف حادة، بسبب الانعدام شبه التام للأمطار، وقلة الإيرادات المائية من دول المنبع، فتركيا التي تعطي الحق لنفسها بتقليل حصة العراق المائية اعتقادًا منها بأن العراق يقوم بإهدار هذه المياه نحو الخليج العربي، وإيران التي قامت بتغيير مجاري الأنهر وقطعت المياه عن أكثر من 45 رافدًا وجدولًا تغذي الأنهار والاهوار في العراق، وتهدد هذه العوامل حياة المواطنين في البلد وترمي بالتنوع الإحيائي إلى حافة الانقراض.
يعد صيف 2022 الصيف الأقسى في تاريخ العراق كما وصفه مستشار وزارة الموارد المائية عون ذياب، فمع كل ما يمر به العراق من ازمة المياه، بدأت اثار التغيير المناخي بالظهور لتزيد الطين بلة، بالإضافة الى ارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات أسرع بـ 7 مرات من الارتفاع العالمي، وكذلك عدم التوازن السكاني بنسبة 70% في المناطق الحضرية، على نحو أدى إلى تراجع الزراعة، سيطر شبح الجفاف على مناطق واسعة من العراق، فبعد ان لاح العديد من البحيرات والأنهر بضمنها تلك الموجودة في إقليم كردستان، شحت مياه نهري دجلة والفرات، وارتفعت نسب الأملاح والتلوث في مياه شط العرب وبات العراق على حافة التصحر.
خطة حكومية لحل الأزمة
أشار ذياب في وقت سابق أن “الخزين المائي المتاح سيسد حاجة البلاد لموسم الصيف الحالي فقط”، وأعلنت وزارة الموارد المائية عن امتلاكها لخطة مدروسة بخصوص اطلاقات السدود والخزانات بما يتناسب مع المتطلبات واستخدامات المياه بشكل يضمن وصولها إلى جميع المستفيدين.
لكن يبدو ان مفهوم المستفيدين مختلف لدى الوزارة، اذ تمثلت خطة الحكومة العراقية لتفادي هذه الازمة الخطيرة بتقليص الخطة الزراعية إلى النصف، وتقنين استخدام الاحتياطي من المياه، ودفع الإيرادات المائية الى محافظة البصرة لمواجهة اللسان الملحي على حساب المحافظات الجنوبية الأخرى.
التراث العالمي، الأهوار، هي الأكثر تضررًا
اهوار جنوب العراق المتمثلة في هور الحويزة الواقع على الحدود العراقية-الايرانية، و اهوار الجبايش في محافظة ذي قار، التي كانت تمثل أكبر المسطحات المائية في الشرق الأوسط، والتي تم إدراجها على لائحة التراث العالمي لليونسكو كونها احدى المواقع الفريدة. أصبحت أجزاء واسعة منها اليوم ارضًا جافة متشققة خرجت بينها شجيرات صفراء، وصارت المخاوف التي كانت تراود سكانها حقيقة، بسبب انخفاض مناسيب المياه التي تعد قوام الحياة وتزايد ملوحة المياه التي تسببت بنفوق الأسماك والجواميس، وبالتالي فقد الكثير من سكان الاهوار مصادر رزقهم.
يشير التقرير الذي نشرته منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو) في منتصف شهر تموز الماضي، إلى أن “الاهوار احدى أفقر المناطق في العراق والأكثر تضررًا من تغير المناخ ونقص المياه”، يحمّل المدير العام للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية حاتم حميد، الجارة إيران مسؤولية الأزمة، قائلًا إن “التغذية الرئيسية لهور الحويزة هي من الجانب الإيراني، لكن النهر مقطوع تماماً منذ أكثر من سنة”، أما بالنسبة لأهوار الجبايش، فتبعًا لدائرة الزراعة في الجبايش “بلغت مناسيب المياه من نهر الفرات المصدر الرئيسي لأهوار الجبايش 80سم وبلغ تركيز الملوحة فيها ppm 2300”.
الجاموس المائي وسط الكارثة
انعكست آثار الجفاف هذه سلبًا على مجمل الحياة في مناطق الاهوار، وخلفت اثارًا هائلة على سكانها، من خلال تأثيرها المباشر على الثروة الحيوانية، تشير دائرة الزراعة في الجبايش الى ان “الجاموس يمر بحالة انقراض وتدهور غير مسبوق لأن وجود هذه الحيوانات يتطلب خوضها في المياه بشكل يومي للشرب والحصول على الأعلاف الخضراء”، كما يبين الرصد الذي قامت به الدائرة هلاك (600-750) رأس جاموس خلال هذا الصيف بسبب تحول مناطق واسعة من الاهوار الى مناطق وحل قاتلة للحيوانات التي تقع فيها.
لا مكان للأسماك في الأهوار
أما الثروة السمكية فقد دُمرت بشكل شامل بسبب شحة المياه وارتفاع تراكيز الملوحة وزوال سلاسل الغذاء اللازمة لاستمرارها. تشير ذات الدائرة إلى إن “هذه الثروات تدار من قبل أعداد لا يستهان بها من المربين والصيادين إذ تشكل نسبة سكان الاهوار الذين يقتاتون على صيد الأسماك وتربية الجاموس وفق الاحصائيات الأخيرة 30% من عموم سكان قضاء الجبايش”، وتبين ايضًا “يوجد في قضاء الجبايش 33,000 رأس جاموس، 1,650 مربي، و 1,500 صياد، وان معدل عدد أفراد العائلة الواحدة 7 أفراد، أي أن أعداد هذه الشريحة من السكان ما لا يقل عن 22,000 نسمة من أصل 51,000 نسمة في قضاء الجبايش”.
شكلت هذه الازمة قلقًا كبيرًا لسكان الاهوار، خرجوا على أثرها في احتجاجات على الظروف المميتة التي يعيشونها بسبب الجفاف، ولكنهم جُوبهوا من قبل الجهات الحكومية بالقمع الشديد وتعرض المئات منهم للرصاص والغاز المسيل وغيرها من الأساليب القمعية، وأُعتقل آخرون وسط صمت إعلامي شديد.
الهجرة القسرية تهدد استقرار المجتمع
آلاف العراقيين حُرموا من المياه ومصادر رزقهم، وقُتلت حيواناتهم، لا يجدون ما يكفي من الأكل والشرب، و يعانون باستمرار من حالات التسمم والأمراض الجلدية، سُلبوا كل حقوقهم بالعيش، لجأوا في آخر الأمر إلى بيع ما تبقى من مواشيهم والنزوح. هاجر المئات منهم الى ضفاف الأنهار، ولجأ آخرون الى المحافظات الأخرى، البصرة، بابل، واسط، وغيرها، ولكنهم جُوبهوا هناك ايضًا بقوانين تنص على عدم منحهم بطاقات الهوية، كحل حكومي لإنهاء هجرة عرب الاهوار.
بينت الحكومة انها قد تستوطن نازحي الاهوار على جانبي الأنهار بدلًا من ادخالهم للمدن، وهذا ما هو الا تمييز منهجي وتغيير ديموغرافي وتدبير لهجرة قسرية ضد عرب الاهوار. وبطبيعة الحال، اختلاف المياه قد يسبب اثارًا خطيرة على الحيوانات التي ستخوض فيه، ناهيك عن الخسائر الفظيعة في الموائل الطبيعية التي يسببها جفاف الاهوار ودمارها.
المستقبل سيكون كارثي في العراق
تشير الدراسات ان الصيف الحالي هو الأبرد ضمن المواسم القادمة، كما صرحت وزارة الموارد المائية إنها تتوقع انخفاض مناسيب نهر دجلة بشكل كبير بسبب سد جزرة الذي سيتم بناؤه في تركيا، و تستمر إيران في محاولاتها لحرمان العراق من المياه، لذا من السهل تخيل ما ستؤول إليه الأمور إذا لم تعمل الحكومة العراقية على اتخاذ إجراءات وحلول دبلوماسية مع دول المنبع، وتحسين السياسة الداخلية للبلاد، لأن كل المؤشرات تقود الى ازمة إنسانية قد تنتهي بالتحول الى مجاعة في اهوار العراق ستستمر لأجيال قادمة.
أضف ردا