بناء المزيد من السدود يهدد جنوب العراق بزيادة كارثة الجفاف وشحة المياه

بناء المزيد من السدود يهدد جنوب العراق بزيادة كارثة الجفاف وشحة المياه

English

Kurdish

يتعاظم حجم قلقنا من استمرار وإصرار حكومات المنطقة على بناء المزيد من السدود الكبيرة على مجرى نهر دجلة وروافده الرئيسية المنهكة أصلا بالسدود، على الرغم من الإشارة المباشرة والصريحة للاستراتيجية التي قامت الحكومة العراقية بنفسها بتحمل نفقات كتابتها عبر مستشارين متخصصين والتي تحمل عنوان ”استراتيجية موارد المياه والأراضي في العراق، والمعروفة اختصارا (SWLRI)“ والتي انجزت عام ٢٠١٥.

تشير هذه الاستراتيجية بان العراق سيواجه شحة مياه مقارنة بما يتوفر لديه من موارد، لكنها تشير بالمقابل وبوضوح الى عدم حاجة البلاد لمزيد من السدود أو الخزانات الكبيرة. وتوضح إن لدى العراق ما يكفي منها، خصوصاً في ظل غياب اي اتفاقات مكتوبة او ضمانات من دول المنبع. إذ تلخص الوثيقة استنتاج ان على الدولة العراقية التركيز، بدلا من بناء السدود، على تنفيذ إصلاحات رئيسية في قطاع المياه.

وتدعم هذا الاستنتاج حقائق عدة ومنها، إن خزانات العراق الحالية (كلها) تعاني من نقص في خزينها من المياه، والبعض منها يشهد تدهور في نوعية المياه المخزونة وارتفاع في معدلات الملوحة إلى درجة أنها لم تعد صالحة للاستخدام (سد الثرثار مثالاً). ومع كل سد جديد يبنى، تحدث شحة في المياه عند مصبات النهر وخصوصاً جنوب العراق. ويرصد نشطاء المياه والبيئة أزمة نقص مياه حادة في مناطق تبدأ من محافظة ديالى وصولا إلى البصرة وأهوار جنوب العراق.

ومع الازدياد الملحوظ في درجات الحرارة التي تعيشها المنطقة بسبب ظاهرة التغير المناخي، يتعاظم حجم المياه المهدورة نتيجة التبخر من خزانات السدود التي يحفظ فيها العراق خزينه الاستراتيجي. ومؤخراً أصدرت حملة إنقاذ نهر دجلة دراسة متخصصة عن التقديرات المتوقعة لحجم التبخر من مياه السدود العراقية. النتيجة صادمة، حيث ان كميات المياه المهدورة تصل الى ١٠٪ من مجموع الخزين سنوياً (معهد الطاقة العراقي ٢٠١٨). هذه الكميات المهدورة تجعلنا ندق ناقوس الخطر. ما يعتبره العراق خزين استراتيجي يتلاشى في الهواء يوم بعد يوم، ليترك ما تبقى من مياه بنسبة ملوحة أعلى!. لقراءة الدراسة اضغط هنا[1].


نحو المزيد والمزيد من السدود!

على الرغم من الفشل الواضح للسدود في معالجة أزمة المياه في العراق، يتم اهمال هذه الحقائق ويواصل السياسيون الدفع لبناء المزيد من السدود في مناطق أعالي نهر دجلة وروافده الاساسية. وتتفاقم المشكلة مع تزايد المخاوف من تشييد سدود جديدة في تركيا. مؤخرا وتحديدا في عام ٢٠١٨ قامت تركيا بإفتتاح سد ”اليسو“ على نهر دجلة، والان تركز على بناء سد جديد هو ”الجزرة“. بينما هناك خطة لبناء اربع سدود أخرى داخل إقليم كوردستان – العراق. هذا بالإضافة الى قيام الحكومة العراقية ببناء سد اخر على دجلة وهو ”سد مكحول“ بالقرب من موقع آشور الأثري.

بينما نحاول بشكل مستمر تتبع أخبار وتطورات العمل في سد ”جزرة“ والذي لا تتوفر حوله معلومات واضحة من الجانب العراقي أو التركي. الحكومة العراقية لا تصارح شعبها حول موقفها من هذا السد، هل ستستمر بسياسة غض النظر إزاء بناء السدود والصمت تجاه عدم التزام دول المنبع (تركيا وإيران)  بالقانون والعرف الدولي والذي يقضي باستشارة الدول التي تتشارك الأنهار والروافد، وبتوفير دراسة وافية على اثر هذه السدود على تلك الدول، كشروط اساسية لبناء مثل هذه السدود.

قامت الحكومة التركية بنشر معلومات محدودة جدا عن مشروع سد جزرة تفيد بانها ستواصل العمل في بناء هذا السد، وذلك بالرغم من الأثر الخطير الذي يهدد دول المصب (العراق وسوريا).  وستنشر حملة إنقاذ نهر دجلة تحديث عن حالة سد جزرة قريباً. وما تجدر الاشارة له الان هو التالي:

  • أشارت السلطات التركية في عام٢٠٢١ إلى أنه سيتم بناء سد جزرة قريبًا، ولكن في وقت مبكر من عام ٢٠١٦ كانت مصادر غير رسمية قد أفادت بأن شركة الأشغال الهيدروليكية الحكومية التركية (DSİ) قد وقعت عقدًا مع شركة خاصة لمشروع سد جزرة ومحطة الطاقة الكهرومائية. وكشفت عمليات البحث الأخيرة في موقع شركةDSİ  الالكتروني عن القليل من المعلومات حول مشروع ”جزرة “، مما يثير التكهنات بأن المشروع قد تأخر.
  • إن الافتقار إلى الشفافية أمر مقلق ويثير مخاوف بشأن الآثار الكارثية المحتملة على صحة وسلامة وسبل عيش مجتمعات المصب اذا ما اكتمل بناء وتشغيل هذا السد.
  • وفقًا لتقرير أعده فيليب ويليامز وشركاه في عام ٢٠٠٦، نيابة عن مجموعة الاقتصاد العالمي والبيئة والتنمية (WEED) ، فإن التشغيل المشترك لسد إليسو وسد جزيرة قد يقلل من تدفق نهر دجلة إلى سوريا والعراق إلى أقل من ٦٠ متر مكعبثانية خلال السنوات الجافة، وفي موسم الصيف الجاف يمكن أن تتوقف التدفقات تمامًا.

وفي نفس الوقت تعمل حكومة اقليم كوردستان على بناء اربعة سدود دون استشارة الحكومة المركزية في بغداد. ونشرت صحيفة الصباح، (الصحيفة الرسمية الأولى في العراق) في عددها ذي الرقم (٥٣٧٣) والصادر يوم الاثنين ٤ نيسان ٢٠٢٢، خبرا عن وزارة الموارد المائية بعنوان ”لا سلطة اتحادية على ملف المياه في كوردستان“. إذ تؤكد وزارة الموارد المائية في هذا الخبر بان حكومة اقليم كوردستان قد وقعت بالفعل مذكرة تعاون مع شركة ”باورتشاينا“ المملوكة من الحكومة الصينية، وان هذا سيتسبب بخلافات كبيرة بين اربيل وبغداد على المستوى السياسي. ويبدو ان المقصود بهذه السدود الاربعة هي سد دلكة ضمن حدود قضاء بشدر، وسد خيوته، وكلاهما في السليمانية، وسد منداوة في أربيل، وسد باكرمان في دهوك. وفي الحقيقة فان حكومة اقليم كوردستان تخطط لبناء عدد كبير من السدود مضافاً لما تم ذكره. وقد قامت حملة انقاذ نهر دجلة بنشر تقرير متخصص يتحدث عن هذه السدود – للاطلاع على التقرير الخاص بسدود اقليم كوردستان اضغط هنا. 

ومن جهة اخرى تتحرك الحكومة العراقية لاستكمال العمل على سد مكحول، على الرغم من المآخذ الكثيرة التي تحيط بهذا المشروع ومعارضة اليونسكو والخبراء الجيولوجيين له، والتي اوقفت العمل بهذا السد من قبل. فالطبيعة الجيولوجية المعقدة للارض التي يقام عليها سد مكحول مشابهة الى حد كبير الطبيعة الجيولوجية التي تتسم بها الارض التي شيد عليها سد الموصل والمكونة من جبس قابل للتحلل، مما جعل هذا السد شهير بكونه أخطر سد في العالم، او ما يعرف بالسد الفاشل لكونه بحاجة مستمرة الى ضخ وتدعيم اساساته بشكل يومي لتفادي الانهيار. وهذه هو السبب الذي يجعل من المستحيل إستخدم سد الموصل بطاقته الكاملة. 

لاكمال سد مكحول قد يضع العراق بمواجهة سدين فاشلين بحاجة لملايين من الدنانير يوميا لحمايتهما من الانهيار! كذلك فان سد مكحول في حال اكماله سيهدد منطقة اثرية كبيرة بالانغمار ومنها موقع اشور وهو موقع مسجل على لائحة اليونسكو للتراث العالمي ”قلعة اشور“.  وسينتج عنه ترحيل قرى ومجتمعات محلية يصل عددها ل ٣٩ قرية يعيش فيها حوالي ١١٨٠٠٠ مواطن من سكان هذه المنطقة، ((انظر الانعكاسات الاجتماعية والثقافية لسد مكحول، ٢٠٢٢، www.liwaniraq). وها نحن مجدداً نرى خطط بناء السدود لا تأخذ بعين الاعتبار الاثر على التراث الثقافي وعلى المجتمع المحلي. وستصدر حملة انقاذ نهر دجلة قريبا دراسة مخصصة حول سد مكحول وسيتم نشرها على الموقع الرسمي للحملة. 

السدود حلول مزيفة

نحن في حملة انقاذ نهر دجلة نستغرب ان يتم الحديث عن مزيد من السدود وكانها حلول لمشاكل العراق المائية، هذه السدود بالنسبة لنا، حلول زائفة لمشكلة حقيقية ومعقدة، ومن الاجدر التوقف عن الترويج لهذه الحلول الزائفة والتوجه الى بدائل حقيقية مثل حصاد الامطار، ومكافحة التلوث في الانهار ومصادر المياه، والتوجه لترشيد الاستهلاك، وتحديث منظومات الري والشرب، وصيانة البنى التحتية للمنظومات الناقلة والتي يحدث فيها خسائر كبيرة للمياه نتيجة لقدمها. هذه البدائل نطرحها كحلول حقيقية وندعو حكومة العراق وحكومة اقليم كوردستان الى استثمار المليارات التي يخططون لإنفاقها في سدود جديدة وتحويلها الى برامج طويلة الامد للبدائل التي يمكن لها ان تغير الحال اليوم وغدا. 

ونعلن استعدادنا للحضور إلى بغداد وأربيل مع خبراء ومختصين لاجراء مزيد من النقاش مع المعنيين من حكومة الاقليم ومن الحكومة المركزية من اجل الحوار حول هذه البدائل. هذا البيان هو دعوة للاستيقاظ، وهو أيضًا طلب للحوار حول صياغة مسار مختلف في ملف ادارة المياه في العراق.

[1] يتلاشى في الهواء: خسائر التبخر من خزانات السدود في العراق. تقرير نشرته حملة انقاذ نهر دجلة – أكتوبر 2021. اضغط هنا

لمزيد من المعلومات اتصل بالمنسق الدولي :

  جوهانيكة فاندنبوس [email protected] 

موقعنا الالكتروني: https://www.savethetigris.org 

حسابنا على فيسبوك: https://www.facebook.com/save.the.tigris.stc/ 

مقالات أخرى

أضف ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.