أزمة المياه في البصرة، في جلسة الكترونية

أزمة المياه في البصرة، في جلسة الكترونية

English

مدينة البصرة التي مرّت بأزمة مياه فشلت الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول لها، مما جعلها المطلب الذي إنطلقت منه تظاهرات صيف 2018، إذ تعد البصرة اليوم مدينة منكوبة بسبب إرتفاع نسبة ملوحة مياه شط العرب، والتي بسببها دخل ما لا يقل عن 118 ألف شخص المستشفيات يشكون من أعراض حددها الأطباء على أنها مرتبطة بنوعية مياه الشرب، بسبب المعادن السامة الموجودة في مياه الصرف الصحي، والتلوث الزراعي ومخلفات الأنشطة الصناعية، إضافة إلى ملوحة المياه.

لذا استكمالاً لسلسلة الجلسات الإلكترونية التي تنظمها حماة دجلة بهدف رفع الوعي البيئي وحث السلطات المعنية للتوجه إلى حل المشاكل البيئية، نظمت الجمعية جلسة الكترونية بعنوان “أزمة المياه في البصرة،” في مساء يوم الجمعة، 7 كانون الثاني 2022، بهدف تسليط الضوء على اهم الاسباب التي ادت الى تفاقم هذه الأزمة والبحث في احتمالية حدوثها مرة اخرى في السنوات المقبلة ومناقشة كيفية التأهب لمواجهتها، إذ حضر وشارك في الجلسة عدد من نشطاء البيئة ومسؤولين حكوميين ومهتمين بملف البيئة من مختلف المحافظات على المنصة Zoom.

استضافت الجلسة خبير البيئة د. شكري الحسن والمختصة بالموارد المائية د. وسن صبيح حمدان، وابتدأ الحوار بتشخيص مصادر تلوث المياه في العراق بشكل عام، حيث بينت د. وسن أن مياه دجلة والفرات لا تخضع لأي عمليات إدارة او مراقبة بيئية صحيحة إذ إن أغلب القوانين البيئية معطلة وهذا بدوره أدى إلى أن تكون أهم مصادر تلوث المياه بشرية وغير خاضعة للرقابة، متمثلة بالمخلفات المنزلية ومياه الصرف الصحي،  بالإضافة إلى مياه المستشفيات والمعامل والمصانع والمزارع  والمعامل الأهلية التي تقام على ضفاف دجلة والفرات، إذ تلقى جميعها في مجرى النهرين وصولاً الى شط العرب، ” أن الانحدار الطبوغرافي للمنطقة يلعب دوراً في نقل هذه الملوثات، لأن منطقة حوض وادي الرافدين تميل الى الانخفاض والانبساط كلما اتجهنا جنوباً، لذا تكون عملية جريان المياه في هذه المنطقة بطيئة مقارنةً بأعالي منطقة الحوض وهذا يساهم في تركيز الملوثات في نهاية الحوض التي تتمثل بالمحافظات الجنوبية وشط العرب، وبالتالي تأخذ الملوثات الوقت الكافي للتفاعل مع عناصر البيئة كالتربة والمياه والحيوانات التي تتعرض لها ” اوضحت د. وسن . 

أما عن مصادر تلوث المياه في البصرة تحديدًا فقد بين د. الحسن أن نوعية مياه البصرة تتأثر بمصدرين من الملوثات، أحدهما يتمثل بمياه مجاري الصرف الصحي التي تجمع من باقي المحافظات وتصب في مركز مدينة البصرة بكميات هائلة تطلق بشكل يومي الى شط العرب، والآخر يتمثل بمياه البزول الزراعية التي تنحدر من المصب العام إضافة الى مياه البزل الإيراني، مشيرًا إلى وجود مصادر اقل اهمية كالمخلفات الصناعية التي تنتجها المنشآت الصناعية والنفطية ومحطات توليد الطاقة. 

وقال الحسن إن هذه الملوثات تعد أحد أسباب  زيادة التراكيز الملحية في شط العرب، مضيفًا ” ملوحة المياه في شط العرب تعود إلى مصدرين، البشري المتمثل بمياه الصرف الصحي، المبازل، المياه الصناعية، إذ أن جميعها تساهم في تكوين معقدات ملحية ترفع من نسبة الملوحة، والطبيعي المتمثل بمياه البحر التي تتوغل الى شط العرب أثناء المد، وكلاهما يجعل هذه المياه غير صالحة للشرب أو للاسالة !”  

وأضافت د. وسن “لقد لاحظنا اختلاف في خصائص مياه شط العرب في السنوات الأخيرة  مقارنةً بالدراسات والبحوث القديمة، من خلال إجراء دراسات دورية على نباتات وأسماك شط العرب، إذ هنالك زيادة في قيم تراكيز العناصر الطبيعية الرئيسية والعناصر الثقيلة، علميًا هذا يعني وجود زيادة في حجم التلوث!” 

وبيّن الحسن بعد ذلك أن هذا الاختلاف يعود الى انخفاض مناسيب مياه شط العرب بسبب انخفاض واردات مياه نهري دجلة والفرات، وبالتالي أصبحت مياه البحر هي الطاغية في شط العرب لأن المياه العذبة غير قادرة على دفع هذه الأملاح، وأضاف قائلا “نحتاج أن نحافظ على تدفق المياه في شط العرب بمعدل 120 متر مكعب/الثانية لكي نستطيع دفع اللسان الملحي والتصدي لملوحة المياه “. 

وبالحديث عن الكارثة التي مرت بها البصرة في صيف 2018، بين الحسن أن الظروف التي أدت إلى أزمة التسمم آنذاك، تتمثل بانخفاض منسوب المياه في شط العرب بسبب السياسة المائية لدول الجوار، كقلة الواردات المائية من تركيا وسعي إيران الحثيث في تغيير مسار الأنهار التي تغذي شط العرب بشكل أساسي كنهري الكرخة والكارون، بالإضافة الى موجة الجفاف الشديدة وانحسار الأمطار التي عززت من سوء الموقف المائي، مما أدى الى توغل مياه البحر داخل شط العرب بكميات كبيرة ولمسافات طويلة، إضافة الى تراكم الملوثات التي تلقى في شط العرب، ولولا الأمطار الوفيرة في عام 2019 التي استطاعت أن تدفع هذا اللسان الملحي، لما استطعنا أن نتصدى لهذه المشكلة وأضاف ” كادت أن تتكرر التجربة في العام الماضي لولا الضغط الجماهيري الذي دفع الحكومة المركزية لاطلاق كميات من المياه المخزونة لكي تدفع الملوحة” 

وفي إجابة لسؤال “هل ستعاني البصرة من ازمة ملوحة مستقبلاً؟” أشار الحسن إلى عدم اهتمام الجهات الحكومية في العمل على  تقليل الملوثات التي تلقى في الأنهار، أو العمل على إيجاد طريقة لإيقاف توغل مياه البحر في شط العرب، فإذا ما اجتمعت ذات العوامل مرة أخرى حتماً ستعاني البصرة من هذه الازمة مجددًا، وعندها لن يكون لدينا خزين مائي لكي نعالج الموقف.

وعن موقع البصرة في ظل التغير المناخي الذي يواجهه العالم، قال الحسن “في ظل تحديات التغير المناخي وتوقع العلماء بارتفاع درجات الحرارة 2.5 درجة، سيكون تأثر البصرة حسب الدراسات 7 أضعاف تأثر العالم بسبب موقعها في منطقة هشة بيئيًا وحساسة للتغيرات المناخية، وهذا يعني المزيد من الجفاف والتصحر والعواصف الغبارية، والمزيد من الملوحة بسبب ارتفاع البحر نتيجة ذوبان الغطاء الجليدي، إذ أن موقع البصرة في منطقة منخفضة الأرض تسمح بتوغل أكبر للمياه البحرية!” 

وفيما يخص الإجراءات التي اتخذتها الجهات الحكومية المختصة في التصدي لهذه المشكلة، تقول د. وسن “لا يوجد إجراءات ملموسة إلى الآن، ولكن هنالك مشاريع لمحطات تحلية المياه ومشاريع زيادة مناسيب المياه، ولكنها ليست بالمستوى المطلوب، يجب على الجهات المختصة التفاوض مع دول المنبع لزيادة الاطلاقات المائية كما يجب أن تضع قوانين صارمة لحماية المياه والبيئة  في كل المحافظات العراقية” وأضافت ” تجربة عام 2018 كانت مأساوية على سكان البصرة، إذا استمرت الحكومة المحلية والمركزية على هذا المنوال ولم تعمل على معالجة الوضع، ستزداد الأمور سوءًا ولن نكون مستعدين لمواجهة هذه التجربة إذا ما تكررت مستقبلا!” 

أما عن مقدار تأثير هذه الأزمة على الجانب الاقتصادي للبصرة، بينت د. وسن أن شحة المياه وملوحتها قد ساهمت بتقليل نسبة الأراضي الزراعية، إذ أن تملح الأراضي وتلوث المياه وشحتها وقلة الأمطار والتلوث النفطي والأمطار الحامضية أدت إلى ترك الفلاحين لأراضيهم كونها أصبحت غير صالحة للزراعة، كما قالت وسن ” إن تأثير هذه الأزمة طال التنوع البيولوجي في المنطقة، فالعديد من الطيور المائية والأسماك في شط العرب والاهوار قد هاجرت لأن خصائص المياه أصبحت غير مناسبة لمعيشتها وهذا بلا شك له تأثير اقتصادي على الثروة السمكية!”

وعلى المستوى الاجتماعي، أوضح د.شكري “أغلب النزاعات العشائرية يعود جذرها إلى شح المياه وخاصة في جنوب العراق والبصرة، تحديدًا، كما أن زيادة نسبة الوافدين الذين جاءوا هربًا من مناطق تواجه شح مياه الى مركز البصرة تسبب زعزعة للاستقرار والأمن الاجتماعي”

وبهذا الصدد تطرق احد الحضور إلى أن إنعاش الاهوار في ظل ازمة شحة المياه الراهنة وتوقعات الجفاف للسنوات القادمة يعد تبذيرًا للمياه كون الاهوار تعد مسطحات مائية مؤقتة والأجدر أن يتم تخزين هذه المياه والاستفادة منها داخل الأنهار والبحيرات، ولكن د. علاء البدران الخبير البيئي الذي كان احد الحضور، بين أن للاهوار أهمية بالغة من كل الأصعدة، قائلا “للاهوار اهمية اقتصادية كبيرة اذ ان المخزون السمكي المتنوع والكبير فيها يمثل فرص عمل لأكثر من ٣٠ ألف صياد في المحافظات الجنوبية، كما أنها تعد حلا أمثل بدلا من إنشاء أحواض الأسماك التي تساهم في تمليح التربة، وأيضًا تمتاز بكثرة نباتات القصب والبردي التي أصبحت نباتات رعوية يستفاد منها مربي الجواميس كثيرًا، وبالتالي زيادة في إنتاج اللحوم والحليب ومشتقاته، أما من الجانب البيئي فإن الاهوار تحافظ على التنوع الاحيائي في المنطقة كما أنها تعد وجهة سياحية ،” واضاف “لا يخفى أن الاهوار تعد بيئة لشريحة واسعة من السكان الذين، لو قمنا فرضا بتجفيف الاهوار، سيضطرون للهجرة الى داخل المدن وهذا يعني مزيدا من الصراعات والزعزة الأمنية!” 

وبالحديث عن دور الباحثين في إيجاد وتشخيص حلول واقعية تحد من الازمة أو تعالجها، قالت د. وسن “نحن كباحثين وأكاديميين لدينا العديد من البحوث والدراسات ووجهات النظر، التي إذا ما اجتمعت حتمًا ستجد حلًا لمعاناة البصرة، ولكن توجد فجوة بين الجانب التنفيذي والباحثين! ” وأضافت “على الجهات المختصة إذا ما سعت إلى اتخاذ إجراءات حقيقية، أن تستعين بخبرات الباحثين بدلاً من الشركات الأجنبية”

وعن الدور الذي يمكن أن يشغله المجتمع المدني في المساهمة بحل المشاكل البيئية، وضح الحسن قائلاً “أن الحكومة غير قادرة على تبني مشاريع من شأنها معالجة الوضع البيئي، اذ ان الحلول البيئية تحتاج لتنفيذها إلى نظام سياسي مستقر وتخطيط استراتيجي بعيد المدى وهذا ما نفتقر إليه في العراق، ولكن دور الأشخاص والمنظمات والمجتمع يمكن أن يسهم في حل هذه الأزمة من خلال تدريب وتأهيل الناس في كيفية مواجهة الأزمات البيئية وبرامج ممن أن تتبناها منظمات المجتمع المدني لتهيئة أنفسنا في مواجهة أزمة التغير المناخي وكيفية التعامل مع أزمة الملوحة في حال تكررت”

وعلى الجانب الآخر كان لدى د.وسن رأي مخالف إذ قالت “من المؤكد أن الأفراد يمكن أن يساهموا بحل المشكلة ولدينا بحوث في هذا الجانب، ونحن بحاجة إلى حملات توعية للسكان لكي يكونوا على اطلاع بمعاناة البصرة، كما أشيد بالطاقات الشبابية التي تحاول أن تخلق تغيير إيجابي في بيئتها من حملات تنظيف وتشجير وتوعية وغيرها، ولكن الموضوع أكبر من هذه الطاقات! اذ يجب ان يكون عمل المنظمات مدعومًا من قبل الجهات الحكومية، من خلال فرض عقوبات على المتجاوزين من القطاعات الحكومية أولا، والعمل على تفعيل القوانين البيئية، والتوصل إلى اتفاقات مع دول المنبع والعمل على إدارة مائية صحيحة”، وأضافت “الدراسات الاجتماعية موجودة و نستطيع أن نفعل دور المجتمع أكثر ولكن الحلول العملية والواقعية موجودة ايضًا ولكنها تحتاج إلى تنفيذ حكومي”

يذكر أن هذه الجلسة تأتي ضمن سلسلة من الجلسات الرقمية التي تنظمها جمعية حماة نهر دجلة لتسليط الضوء على القضايا الخاصة بواقع البيئة والمياه لمدن نهري دجلة والفرات من خلال استخدام المنصات الإلكترونية.

للاستماع الى الندوة كاملة اضغط هنا .

مقالات أخرى

أضف ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.